09 نوفمبر 2010

عشت يوماً فى العالم الآخر (اليوم السابع)


كثيرا ما تراودنى فكرة الموت أينما ذهبت.. فى البيت.. الشارع ، حتى عندما أذاكر، فأشعر بالخوف من الموت الذى به تنقطع صلتى بالدنيا، وأذهب إلى عالم آخر لا أمل فى العودة منه، فينتظرنى من سيحاسبنى على أفعالى فى الدنيا، والتى لا أرضى عنها وستقربنى من نار جهنم وأخشى ما أخشى أن أموت فعلا.....!!!

وذات مرة وأنا أذاكر ألحت على هذه الفكرة مرة أخرى، وقلبت فى صفحات الكتاب دون أن أفهم شيئا ووجدتنى أذهب بعيدا فانفصلت روحى عن جسدى، وصعدت إلى بارئها، ليمتلئ البيت صراخا ونحيبا يا حبيبى .. يا أخويا .. مت فى عز شبابك .. يا ابنى، وأنا أصرخ فيهم بأن يكفوا عن ذلك كله .. فذلك لن يعيدنى إلى الدنيا ولن يغفر لى ذنوبى .. كفوا .. كفوا .. فصراخكم لا جدوى منه ... لا فائدة .. لن يسمعنى أحد .. ولأمت بغيظى.

وأثناء ذلك اقتحم الحجرة رجل ضخم الجثة يرتدى جلبابا أسود، ومن هيئته عرفت أنه الحانوتى جاء يغسلنى ويهيأنى لحياتى الجديدة ، وأخرج النسوة اللائى بالحجرة كى ينفرد بى، وجردنى من ملابسى، ونادى على من بالخارج أن يحضروا له الماء .. وكم تمنيت أن يكون الماء دافئا حتى لا يصيبنى البرد، واندفعت أمى صوب الباب ومعها الطست والإبريق واللفائف التى يسمونها كفنا, ليهيئونى إلى مثواى الأخير .. وتركت أمى هذه الأشياء وانصرفت مسرعة وهى تكفكف دموعها، ومرر الحانوتى يده الناعمة على جسدى النحيل ،وراح يبلله بالماء البارد وأنا أكتم صرخاتى لئلا ينزعج ،وأحضر اللفائف البيضاء التى سيكفوننى بها حتى انتهى، وتركنى ملفوفا كالمومياوات الفرعونية، وأصبح جسدى كله مشلولا ..لا حراك ودخل حاملو النعش ليضعوننى داخله, وأغلقوه على فكدت أختنق وشعرت بالنعش يرفع إلى أعلى وأسمع كل ما يدور حولى من همسات وهمهمات، وهم لا يشعرون بى.. وصراخ .. عويل .. بكاء .. يا حبيبى .. يا حرام مات فى عز شبابه .. وهم يغطوننى .... فكل ذلك لن يفيد.. أدعو لى أيها الأوغاد .. فصفحتى ليست بيضاء يكاد يغطيها السواد.. ووصلوا بى إلى الخارج واجتمع الناس من كل فج ليشيعوننى إلى مثواى الأخير، وردد المطيبون.. الدايم هو الدايم ولا دايم غير الله.. وساعتها شعرت بالطمأنينة.. ولكننى سمعت أحدهم يدعو على بعدم الرحمة.. الله لا يرحمه ..لقد كان سيئ السمعة ،أيها الأحمق ماذا فعلت لك لتدعو على...؟ أحتاج إلى الرحمة.. لو بيدى لخرجت من النعش ودققت عظامك .

واقترب الموكب الجنائزى من المقابر، فلتدق الطبول ،ولتعلو الصيحات كى تستقبل سليل الفراعنة العظام، وأخذ يجوب بين المقابر، وقلبى يدق وأسنانى تصطك ببعضها البعض وأمواج بطنى تتصارع، فيخيل للمشيعين بأن النعش يهتز حتى وصل إلى مقابر الأسرة ، وأنزل النعش على الأرض وأخرجونى من النعش وقذفوا بى داخل القبر، وشعرت بمن يتحسس جسدى فعرفت انه اللحاد واندفع خارج القبر ليسده على تماما ،وحانت اللحظة الحاسمة وأصبحت وحيدا فى بيت الوحشة ،وتركونى أواجه مصيرى .. وصرخت لا .. لا تتركونى.. أكاد أختنق سأموت..كيف سأموت... ؟وأنا بالفعل ميت ... ماذا سيحدث... هل أستسلم لمصيرى... إنه الموت ... ولا فكاك من هذا المصير!!

وفجأة استيقظت وتنبهت لصوت أمى التى تنادينى من الخارج لأتناول وجبة الغذاء وحمدت الله أننى حى وما مضى كان حلما.

منقول